يا جدتي
لا لم تنم في مقلتي غير الدقائقَ والمُنى
لم ألمح الأحلام يوماً في نوافذِ غرفتي
أو خلف أبواب الرّبيع أو في الدُجى
أنا كالطفلِ يغمرني يبابٌ تسابقني الخُطى
يا جدتي
ماكانَ في عمري ضبابٌ أو تناهيدُ الورى
ماكانَ في حلمي حرامٌ أو أكاذيب تُفترى
منذُ أن فارقتني عُزلتي وأنا أموتُ وعلى
شفاهي السُكّرا
يا جدتي
كم من نزعةٍ للخوفِ في قلبي تؤرقني
منامي تذعرا
كل الحكايا الراحلاتِ زائفاتٌ منها الصدى
لا يُبتغى !!
أنا في ضميري ألف أغنية تنامُ
وعن الغناءِ تعتذر ..
أنا في شفاهي أحاديثُ ملحٍ
على اليراعِ تعتصر ..
أنا في عينيَ اليُمنى ترقدُ الحسراتُ
أياماً طوالاً تندثر ..
وفي اليُسرى يتلصصون على ما جرى
من بينِ أيامٍ أُخَرْ ..
العبء في صدري ثقيلٌ يا جدتي ..
.. يا جدتي ..
دعي عنكِ غزل الصوف
فالشتاءُ قد رحل ..
واكتبي على شاطئ الأزمانِ
أيامي بحبات الرمل ..
وانسجي من ذلك السحاب قطرة
سوداءَ من رحمِ الوحل!
كفني حفيدتك فلم تزدكِ إلا
وجعاً لا يُحتمل!
وادفنيها في غياهبِ صمتُك
لا تخبري عنها أحداً
لا الرسائلَ
لا الدفاترَ
لا اليراعَ
ولا الألم!
أنا يا جدتي في عيدِ ميلادي
أشاطرُ الدنيا
رغيفي!
ألعب في حارتنا العتيقة
وكأنها جناتُ
عدنِ!
لا أعرفُ في بلدتي إلا أبوابُ الرزايا
ومقاهي السُكارى..
أتنصلُ من نشر الغسيلِ كل صباح
على حبال الموت!
وألهو بأسماءِ الطيور , هذا بلبلٌ
وتلكَ الكناري وهذهِ أسرابُ الغربان
لا يحلو لها التحليق إلا عند نافذتي..
نافذتي تلك غير آمنة فهي بلا زجاج
تتسربُ منها الأحلام
لا تعود !
لا تعود !
لا تعود !